هل باتت روائز التقويم التشخيصي مجرد وثيقة إدارية شكلية؟

هل باتت روائز التقويم التشخيصي مجرد وثيقة إدارية شكلية؟

هل باتت روائز التقويم التشخيصي مجرد وثيقة إدارية شكلية؟

    مع بداية كل موسم دراسي، يتطلع المُدَرِّسُ إلى تحقيق أهداف تعليمية جديدة، تروم في مجملها تحسينَ المردودية العامة لمجموع الفصل الدراسي، والرفعَ من جودة التعلمات الأساسية عند الطُّلاب. ولتحقيق هذه الأهداف، يحتاج المُدَرِّسُ إلى مجموعة من الأدوات والإجراءات التي تساعده في تكوين صورة دقيقة حول مستوى التحصيل الدراسي عند المتعلمين، وفهم احتياجاتهم قبل بدء الانخراط في تعلم جديد. وتعد روائز التقويم التشخيصي أهم هذه الأدوات.  

     ويُقصد بروائز التقويم التشخيصي مجموع الأسئلة والفقرات أو الوضعيات الاختبارية التي تستهدف قياس المكتسبات السابقة عند المتعلمين الملتحقين بالمستوى الدراسي الجديد، واختبار المهارات الأساسية لديهم مثل مهارة فهم المقروء، وتحليل بنية النص، والقدرة على التعبير، والقياس، وحل المشكلات... ويتم تمرير هذه الروائز خلال الأسبوع الأول من السنة الدراسية، أي قبل الشروع في إنجاز دروس المستوى الجديد، كما تنص على ذلك الأطر المرجعية والمقررات الوزارية. فهي بهذا المعنى جسر يصل بين ماضي التعلم وحاضره، أي بين ما اكتسبه المتعلمون من موارد سابقة، وبين ما يحتاجونه اليوم لتعزيز اندماجهم في التعلم الجديد، وضمان مشاركة فعالة داخل الفصل.

    وترمي عملية التقويم التشخيصي في بداية السنة الدراسية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، أبرزها:

أ ــ مساعدة المُدَرِّس في رصد مواطن القوة والضعف لدى مجموع التلاميذ؛

ب ــ تقديم الدعم (قصير/بعيد المدى) المناسب للمتعثرين منهم، بعد تحديد احتياجاتهم الفردية والجماعية؛

ت ــ تخطيط الأنشطة التعليمية المناسبة والكفيلة بمعالجة الاختلالات، وتجاوز الصعوبات التي تعيق التعلم عند التلاميذ، وإدراجها في مشاريع المؤسسة؛

ج ــ رفع التقارير إلى هيئات التفتيش، بخصوص مستوى التحصيل عند المتعلمين اعتمادا على معطيات تشخيصية دقيقة، قصد استثمارها في تطوير أساليب التدريس، ومناهجه...

     ومهما اتفقنا على أهمية التقويم التشخيصي بوصفه محطة مركزية داخل العملية التعليمية التعلمية، فإن ثمة إكراهات عديدة تحيط بروائز التقويم التشخيصي التي يتم إجراؤها في بداية السنة، في علاقتها ببناء خطط الدعم والمعالجة، نقسمها إلى ثلاثة أنواع:

     إكراهات مرتبطة بالتلميذ:

ــ عدم التحاق كافة المتعلمين في الأسبوع الأول من الموسم الدراسي، يحول دون توفير معطيات تشخيصية دقيقة عن حالة تحصيل التلاميذ. فمن غير المعقول تصديق المعطيات المجمَّعة في ظل غياب يتجاوز أحيانا كثيرة نسبة 30 % في القسم الواحد، وخاصة في السلك الثانوي التأهيلي. زد على ذلك، أن معظم مَنْ يحضر من المتعلمين خلال الأسبوع الأول، يكونون متحكمين أو متحكمين نسبيا في التعلمات موضوع التقويم التشخيصي؛ في حين أن معظم المتغيبين يكونون هم الأكثر تعثرا مقارنة مع الحاضرين؛

ــ السماح للمتعلمين المتغيبين باجتياز الروائز عند التحاقهم خلال الأسبوعين الأولين، يقلل من مصداقية الاستنتاجات التي تترتب في النهاية عن عملية التقويم، خاصة إذا علمنا أن فئة من التلاميذ يتجنبون الصدمة الأولى مع الروائز عن قصد، ويفضلون فرصة ثانية وثالثة أملا في الاطلاع على الأسئلة من زملائهم، أو الاطلاع على التصحيح خلال الأسبوع الثاني؛

ــ استهتار عدد لا بأس به من المتعلمين بأسئلة الروائز، طالما أن النقطة المحصَّل عليها غير محسوبة في المراقبة المستمرة. مما يعيق تشخيص التعلمات السابقة الضرورية لبناء التعلمات الجديدة. وقد يصل هذا الاستهتار أحيانا إلى الإجابة عن أسئلة الرائز في ربع المدة المخصصة للتقويم. ومن المحتمل ألا يجيب على عدد كبير من الأسئلة بحجة أنه لم يعرف الجواب، بل إنه قد يستغني عن مكون بحاله كمكون الإنشاء؛

ــ سهولة حصول المتعلمين على جزء من الأجوبة مهما شدَّد المُدَرِّس الحراسة، خاصة تلك التي تعتمد على الوصل بسهم بين مجموعتين متقابلتين، أو وضع علامة (X)، إذ يمكن للتلميذ مثلا الاحتفاظ بصورة اتجاهات الأسهم في ذهنه بمجرد سرقة النظر إلى ورقة زميله. وهو ما يضرب مصداقية النتائج المحصَّل عليها في التقويم، ولا يعكس درجة تحكم التلاميذ في المعارف والمهارات والكفايات الضرورية لمواصلة التعلم...

     إكراهات مرتبطة بالمُدَرِّس:

ــ كثرة الأقسام المسندة إلى أستاذ الثانوي بسلكيه (الإعدادي والتأهيلي) تَحُول دون تمكنه من تصحيح إنجازات المتعلمين في ظرف أسبوع واحد؛ إذ يتعذر عليه تصحيح ما بين 06 إلى 12 قسما في زمن قياسي، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيضا كثرة أسئلة الروائز التشخيصية، والتي قد تصل إلى ثلاث صفحات في المتوسط العام، ويمكن أن تتجاوز ذلك إلى عدة صفحات. ويترتب عن ذلك نتيجتان متلازمتان:

أولهما: اكتفاء السادة الأساتذة بوضع نقطة إجمالية بعد الانتهاء من تصحيح الورقة الخاصة بالتلميذ، على غرار فروض المراقبة المستمرة، دون تدوين النقط الخاصة بكل مكون من مكونات المادة أو بكل مجال من مجالات التشخيص على مستوى المكون الواحد: الملاحظة؛ الفهم؛ التحليل؛ التركيب؛

ثانيهما: النظر إلى تعثرات التلاميذ من زاوية عمودية، وليس من زاوية أو زوايا أفقية متعددة تراعي نوع التعثر بين المتعلمين. فقد يتساوى التلاميذ في النقطة: 20/08 مثلا، لكن مع فارق كبير بينهم في نوع التعثر حسب مكونات المادة. ذلك أن عددا من التلاميذ متمكنون من مهارة التطبيق على القواعد اللغوية، ومتعثرون في التعبير عن الرأي؛ وآخرون يتفوقون في الإجابة عن أسئلة الفهم والتحليل، لكن نقطة ضعفهم عزل الشواهد وتحليل البنية التركيبية للجملة، وقس على ذلك.

ــ إلزام المُدَرِّس بعد عملية التصحيح بتصنيف التعثرات أو الصعوبات المتشابهة (الجماعية) والخاصة (الفردية)، كتلك الصعوبات التي يواجهها المتعلمون في القراءة مثلا، أو في الإملاء، أو في الحساب، أو في القياس... من خلال اعتماد شبكة تفريغ مرهقة جدا، تحتاج وحدها إلى أسبوع لتحليل بياناتها، وإلى سلسلة من التكوينات لتمكين السادة الأساتذة من تعبئتها، واستثمار نتائجها في دعم المتعلمين، وتوجيههم نحو المجالات التي يحتاجون فيها إلى تحسين مستواهم طيلة السنة.

     وهنا يطرح سؤالان وجيهان: أنَّى للمُدَرِّس أن يدعم كل تلميذ على حدة في ظرف أسبوع واحد، وهو الأسبوع الثاني من الموسم الدراسي استجابة للمذكرة الوزارية المنظمة لحصص الدعم؟ وكيف يمكنه تنفيذ خطة الدعم الكفيلة بتجاوز الاختلالات المرصودة في تقارير التقويم التشخيصي، في ظل الاكتظاظ وكثرة الأقسام المسندة إليه، وفي ظل مطالبته بإنهاء المقرر الوزاري في وقته المحدد؟

     إكراهات مرتبطة بالعُدَّة:

ــ اقتصار عُدَّة التقويم التشخيصي على بضعة مستلزمات قبلية، قد تركز على دروس وحدة أو أكثر، ومن الأساتذة من يستعين بفرض من فروض المراقبة المستمرة للمستوى السابق، ويتخذه رائزا من الروائز؛

ــ وإذا سلَّمنا جدلا بأن عُدَّة التقويم التشخيصي عند جميع الأساتذة، تتوافر فيها المستلزمات القبلية الضرورية لمتابعة المستوى الدراسي الجديد، وتستجيب لمعايير الأطر المرجعية الخاصة بكل مادة، فإن الوضعيات التي يتم اعتمادها في تنفيذ الدعم غير ملائمة في معظمها لتقليص التعثرات والصعوبات المرصودة في التقويم، ولا تسهم بالقدر الكافي في دعم التحصيل الدراسي، لثلاثة اعتبارات على الأقل:

1 ــ إعداد أغلب المدرسين خطة دعم عامة لصالح جماعة الفصل، ودون تفييء التلاميذ المتعثرين حسب نوع التعثر لديهم، وذلك بناء على توقعاتهم الشخصية أو تجاربهم الطويلة في الميدان. وطبيعي جدا أن تكون هذه الخطة غير موجهة، وبعيدة عن الإجراءات المطلوبة لمعالجة الاختلالات الصفية، لأن مدة التصحيح كما سبق وأشرنا غير كافية، وخاصة بالسلك الثانوي بنوعيه؛

2 ــ تركيز الأنشطة الداعمة على فئة المتعثرين لتقليص الفجوات التعليمية بينهم وبين المتفوقين، يصيب المتفوقين بالإحباط ولا يحفزهم على الاستمرار في تفوقهم، ويؤدي إلى تراجع مستواهم بسبب شعورهم بالملل جراء تكرار التعلمات التي يتحكمون فيها في كل حصة من حصص الدعم، مثلما حصل مع تلاميذ مدارس الريادة المتفوقين؛

3 ــ تركيز أغلب أنشطة الدعم على الجانب المعرفي دون جوانب أخرى لها أهميتها في النجاح، كالدعم النفسي والدعم الاجتماعي، يحرم بعض المتعلمين من تحقيق التوافق الذاتي والتكيف الاجتماعي السَّلِسِ، من خلال أنشطة موازية تساعد على فهم الذات ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف الشخصية، كما تساعد على الانسجام مع جماعة الفصل؛  

ــ نقص كبير في الوسائل اللوجستيكية، وفي مقدمتها: آلة النسخ؛ الحبر؛ أوراق النسخ... وخاصة في المؤسسات المُحْدَثَة أو المؤسسات التي تَعرف بعض المشاكل مع جمعيات الآباء...

     أمام هذه الإكراهات، انقسمت آراء الأساتذة إلى قسمين:

1 ــ قسم يرى أن روائز التقويم التشخيصي في بداية السنة أداة بيداغوجية أساسية لتشخيص التعلمات ورصد التعثرات والصعوبات، ولا غنى للمدرِّس عنها في بناء خطة الدعم والمعالجة، رغم كل الإكراهات التي أشرنا إليها سلفا، وخاصة بالسلك الابتدائي، والسنة الأولى من السلك الثانوي (بنوعيه)؛

2 ــ وقسم يرى أن روائز التقويم التشخيصي في بداية السنة ــ وفي ظل هذه الإكراهات ــ مجرد وثيقة إدارية شكلية، مادام المدرِّس لا يعتمد على نتائجها في عملية الدعم والمعالجة، إذ يمكنه الاعتماد على تجربته الذاتية أو على نتائج التقويم النهائي (نهاية السنة الدراسية الماضية، أو نهاية الأسدس الدراسي) في بناء خطة الدعم واتخاذ الإجراءات العلاجية الضرورية للحد من التعثرات والصعوبات المرصودة.

     التوصيات:

    وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع أصحاب هذا الرأي أو ذاك، فإن الكل يُجْمِع على أهمية روائز التقويم التشخيصي، لو رافقتها بعض الإجراءات التي تدقق العمل، وتُيَسِّرُ التخطيط للدعم بشكل فعال، ومنها:

ــ رفع المدة المخصصة للدعم بالسلك الثانوي إلى ثلاثة أسابيع على غرار السلك الابتدائي، ليتسنى للأستاذ تقديم الحد الأدنى من دعم التعلمات حسب نوع التعثر المرصود عند كل فئة متعثرة في القسم؛

ــ توحيد خطط الدعم والمعالجة لما له من دور في توجيه الجهود، وتوضيح الغايات، وتوحيد المسار داخل المؤسسة، ويعزز جودة التعلمات؛

ــ تنويع الأنشطة الداعمة، واهتمامها بإعداد المتعثرين إعدادا معرفيا ونفسيا واجتماعيا، لمساعدتهم على بناء الذات وتحمل المسؤوليات التي توكل إليهم؛

ــ تقديم أنشطة تعليمية متقدمة لفائدة الطلاب المتفوقين، وتوفير بيئة محفزة للحفاظ على تفوقهم؛

ــ إعداد برنامج تكويني لصالح الأساتذة يركز على تطوير تقنيات التقويم، وكيفية التعامل مع شبكات التفريغ، وتحليل البيانات واستثمارها في بناء خطط الدعم والمعالجة؛

ــ تحسيس التلاميذ بأهمية التقويم التشخيصي في معالجة الاختلالات قبل توزيع الأوراق...

 

ذ: هشام امساعدي، في: 19/10/2025


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق