التعليم الأولي : تقدم في التشريع وصعوبات في الانجاز-محمد بنوي : باحث في قضايا التربية والمجتمع


مقالات تربوية : قراءة في مشاريع الاصلاح  (من الميثاق الوطني الى قانون الإطار)محمد بنوي : باحث في قضايا التربية والمجتمع.

المقالة الأولى: التعليم الأولي : تقدم في التشريع وصعوبات في الانجاز.


الجزء الثاني:

4- مكانة التعليم الأولي في قانون الإطار 51/17.هل ستتم القطيعة مع خيبات الامل السابقة ؟

        بعد أن تطرقتا في الجزء الاول من هذه المقالة الأولى إلى مكانة  التعليم الأولي  في الميثاق  الوطني للتربية والتكوين  وفي البرنامج الاستعجالي على مستوى الأهداف المعلنة و محدودية ما تحقق على  على أرض الواقع(أنظر موقع تربويات بتاريخ 28 -6-2020) . في هذا الجزء الثاني سنستمر في تتبع نفس المنهجية مع قانون الإطار المتعلق بمنظومة التربيةوالتكوين والبحث العلمي. فما موقع التعليم الأولي في هذا  القانون الجديد ؟ وهل سيتمكن هذا الاطار التشريعي البديل من تحقيق ما عجزت عنه المشاريع السابقة؟ كيف سيواجه هذا المشروع الصعوبات والاكراهات التي حالت دون انجاز ما تقرر من برامج في المشاريع  السابقة ؟  هذه الأسئلة وغيرها  هي التي سنحاول معالجتها في هذا الجزء الثاني.
أول ملاحظة يمكن تسجيلها من خلال المقارنة بين ما جاء في المشروعين السابقين( الميثاق الوطني والبرنامج الاستعجالي) وما يحمله هذا القانون الجديد،هو التنصيص على ضرورة تعميم التعليم الأولي على جميع الاطفال.لكن كيف يمكن تحقيق هذا الهدف الذي سيعتبر انجازا تاريخيا عظيما في حال حدوثه خلال السقف الزمني الذي حدده قانون الإطار؟ 
يمكن القول أن ما يجمع المشاريع الثلاتة خلال العشرين سنة الأولى من القرن 20 هو التأكيد على  مبدأ التعميم للتعليم الأولي والزاميته حيث  أصبح واجبا " على الدولة والأسرة" بالنسبة لجميع أطفال المغرب الذين هم في سن 4_5 سنوات في أفق 2004 بالنسبة للميثاق و2012 كما تقرر في  البرنامج الاستعجالي و2030 مع قانون الإطار" تفعيلا لتوصية الرؤية الاستراتيجية للاصلاح -2015 2030- كما ورد في ديباجة ذلك القانون " والشروع في دمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي" كما جاء في المادة 8 من الباب التالث . غير أن الجديد الذي أتى به قانون الإطار هو أن هذا النوع من التعليم  ودائما مع نفس المادة  " سيتم فتحه في وجه جميع الأطفال البالغين تلاث سنوات بعد تعميمه" أي بعد أن يتم استيعاب جميع الاطفال المتراحة أعمارهم مابين 4و6 سنوات.أما المادة 19 من الباب الرابع ،فانها تضع الجميع( الدولة والأسرة)  أمام مسؤوليته في تنفيذها حيث تنص على أن " الولوج إلى التعليم المدرسي من قبل جميع الاطفال ،اناثا وذكورا البالغين سن  التمدرس الزاميا،ويقع هذا الالزام على عاتق الدولة والأسرة أو أي شخص مسؤول عن رعاية الطفل قانونا ويعتبر الطفل بالغا سن التمدرس اذا بلغ من العمر أربع سنوات الى ست عشر سنة " هكذا يظهر أن عدم  تسجيل الطفل(ة) البالغ(ة) سن التمدرس كما هو مقرر في المادة 19 يعتبر تقصيرا يترتب عليه الأثر القانوني بالنسبة للطرف  المسؤول عن عدم القيام بذلك الواجب.فالدولة ملزمة بتوفير جميع الشروط من أقسام وأطر تربوية وهذا ما تنص عليها المادة 20 " يتعين على الدولة،خلال أجل لا يتعدى ست سنوات( دخل قانون الإطار حيز التنفيذ بتاريخ 19 غشت 2019) تعبئة جميع الوسائل اللازمة واتخاذ جميع التدابير لبلوغ هذا الهدف".فبعد أن تتمكن الدولة  من توفير ما عليها " فان الأسر ملزمة بتسجيل أطفالها في المدرسة ابتداء من أربع سنوات، ثم تلاث سنوات في مرحلة لاحقة،كما رأينا سابقا في المادة الثامنة . لكن كيف يمكن تعبئة جميع الأسر لتنخرط في هذا الواجب الوطني حتى يتمكن أطفال جميع الطبقات والفئات الاجتماعية وفي جميع مناطق البلاد من الالتحاق بالمدرسة عند بلوغهم السن القانوني؟
        إن الأهداف المعلن عنها في هذا القانون تتطلب انخراطا جماعيا لكل الفاعلين.في المنظومة التربوية لتجاوز هذا الوضع المقلق الذي تنطق به الأرقام الرسمية .فحسب الاحصاء العام لوزارة التربية الوطنية لموسم 2018_2019 فان جميع أقسام التعليم الأولي ،التقليدي منه والعصري والعمومي لم تستقطب إلا حوالي%65,4 في المجال الحضري حوالي %47,5 في المناطق القروية. انه تحدي كبير ينتظر جميع المتدخلين والشركاء كل من موقعه بعد ست سنوات من الآن لتعميم هذا النوع من التعليم على الطفولة المبكرة . فماذا على قطاع التربية الوطنية من مسؤوليات ؟ وماذا على القطاعات الحكومية الأخرى من أدوار؟ وكيف يمكن تحفيز الأسر في جميع مناطق المغرب على تسجيل أطفالها في سن مبكرة في المدرسة ؟

أ‌-       مسؤولية الوزارة الوصية على القطاع
 .
          بالاضافة  الى ما سبق ذكره من توفير البنايات الكافية والفضاءات الملائمة والجذابة،فان الرهان أيضا سينصب على إعداد وتكوين الأطر التربوية المشرفة  منها والمؤطرة والمنشطة والممارسة في الاقسام وهذا ما أكدت عليه المواد : 37-38 -39 من الباب السادس المخصص للموارد البشرية (سنخصص لاحقا جزءا من سلسلة هذه المقالات للاطر الإدارية والتربوية بجميع الأسلاك) ونفس الشي يقال على المناهج والبرامج والنكوينات،وفي  هذا الصدد نصت المادة 28 من الباب الخامس على " التجديد والملائمة المستمربن لمناهج وبرامج وتكوينات مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي،مع مراعاة خصوصيات كل مكون من هذه المكونات" إن الأمر اذن يستدعي برامج ملائمة لخصائص الطفولة الأولى أو المبكرة ،كما سنتطرق اليها في المقالة الخاصة بالمناهج والبرامج.

ب‌-    دور القطاعات الحكومية الأخرى .

       انطلاقا من مبدأ أن " المدرسة شأن الجميع " وعليها اجماع وطني بعد قضية الوحدة الترابية،فان تعميم التعليم الأولي وتطويره ، ينبغي أن يساهم فيه الجميع وهذا ما أشار إليه قانون الإطار في المادة 6 من الباب الثاني بالقول " إصلاح منظومة التربية (.......)   مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع وهيئات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين" كما دعت نفس المادة إلى" مساهمة الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الهيئات العامة والخاصة الأخرى" يلاحظ أن ما جاءت به هذه المادة ليس جديدا ،فقد سبق للميثاق الوطني قبل عشرين سنة  التأكيد على  أن التفاف الجميع حول المدرسة هو السبيل الى نجاحها في قيادة التنمية في بلادنا. لكن هذه الدعوة لم يتم الاستجابة لها من طرف كل الفاعلين وهو ما أجل ما كان متوقعا.هل سينجح قانون الإطار الحالي في نقل الاجماع الوطني حول التعليم من المجال النظري الى الواقع الفعلي؟ لا شك أن السؤال سيبقى مفتوحا الى أن تبدأ النتائج في الظهور ميدانيا.

چ- مساهمة الأسرة في تعميم وتطوير التعليم الأولي:

      يتفق الجميع أن العوامل السوسيو-اقتصاديةو الثقافية لها دور حاسم في تقدم أو تأخر المنظومة التربوية في أي بلد . إن وضعية الأسرة المغربية ودرجة وعيها بأهمية التعليم الأولي بالنسبة للطفل (ة) ،يمكن اعتبار ذلك من الاكراهات التي تعوق تحقيق الاهداف المنشودة وهذا ما انتبه اليه قانون الإطار منذ البداية جاء في الديباجة " العمل على توفير الشروط الكفيلة بالقضاء على الأمية".انها من العوائق الأساسية التي تقف في وجه اي اصلاح بالإضافة الى الوضعية الاقتصادية الصعبة للعديد من الأسر، وهذا ما دفع الى التأكيد على ضرورة " تطوير منظومة الدعم الاجتماعي للاسر قصد تخفيزها على ضمان تمدرس أبنائها" كما ورد في المادة 4 من قانون الإطار.لقد قدمت المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها لسنة 2017، ارقاما تكشف العلاقة بين وضعيةالأسرة ودرجة الإقبال على التعليم الأولي حيث أن حوالي %75 من أرباب الأسر الحاصلين على شهادات دات مستوى عال يسجلون ابناءهم في مؤسسات التعليم الأولي مقابل%39 فقط من الذين لا يتوفرون على أي شهادة. كما يمكن أن نستنتج تبعا  لنفس التقرير أن أبناء الطبقة المتوسطة من فئة ما بين 3- 5 سنوات هم أكثر تواجدا في التعليم الأولي:  %79  يقطنون في الشقق مقابل %71 في الفيلات  و حوالي %40 يعيشون في سكن غير لائق.

خلاصة عامة : 
      هكذا يتضح أن تعميم التعليم الأولي وتطويره تتداخل فيه مجموعة من العوامل والشروط فالتخطيط وحده لا يكفي و مجهودات وزارة التربية الوطنية ومختلف الفاعلين التربويين لن تعطي النتائج المرجوة دون وجود أرضية اقتصادية واجتماعية وثقافية ملائمة .ان اصلاح هذا المكون الاساس في المنظومة التربوية ( التعليم الأولي) يرتبط باصلاح وضعية الأسر في كافة ابعادها.كماأن الانصاف وتكافؤ الفرص في التعليم الأولي مرتبط بالانصاف وتكافؤ الفرص على كافة المستويات الأخرى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق