مقالات تربوية : قراءة في مشاريع الاصلاح (من الميثاق الوطني الى قانون الإطار)
محمد بنوي : باحث في قضايا التربية والمجتمع.
تقديم عام :
في هذه السلسة من المقالات التربوية سأتناول على قدر الإمكان،أهم المبادئ والاسس التي قامت عليها منظومتنا التربوية وكذلك الأهداف التي تسعى إلى بلوغها وتحقيقها طيلة عشرين سنة الماضية ،من الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999/2000) الى قانون الإطار : رقم 51/17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والتعليم.وسنقف معا على المضامين والاجراءات التي تضمنتها هذه المرجعيات. سنتساءل كذلك عن الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق ما تم الاعلان عنه لحد الان و استخلاص ما يمكن استخلاصه من دروس وعبر من أجل عدم الوقوع فيما قاله البير انشتاين " تكرار نفس التجارب وانتظار نتائج مغايرة" . كما أن الحديث سيهم أيضا الأسلاك الأربعة المكونة لنظامنا التعليمي المنتمي لقطاع التربية الوطنية (التعليم الأولي والابتدائي والتعليم الثانوي الاعدادي والتاهيلي) وربط كل ذلك بدورالفاعلين التربويين من أطر ادارية وتربوية وأمهات واباء وجمعياتهم وشركاء المدرسة والمتعلمات والمتعلمين أنفسهم وما ينتظر منهم ،كل حسب موقعه وتخصصه لانجاح المشروع التنموي لبلادنا في شقه التربوي والتعليمي،دون اغفال ما تشكله المناهج والبرامج والمقرارت الدراسية وكل ما يرتبط بالحياة المدرسية من أهمية.
قبل أن نبدأ بالمقالة الأولى،لابد من القول أن الجميع معني بالتربية والتعليم , الدولة بجميع سلطاتها وأجهزتها،المجتمع بكافة طبقاته وفئاته ومؤسساته وهيئاته والأسرة بكل مكوناتها،من أمهات واباء و أولياء الأمور .هذا " الجميع" مسؤول على توفير جميع الشروط لتربية وتكوين وتعليم الناشىة. من هنا وجب القول،أنه يجب على كل واحد أن يحاسب ويحاكم ذاته أولا قبل الأخرين.فماذا فعلنا نحن كفاعلين وكممارسين في الميدان من أجل التربية والتعليم؟ ألا يتحمل كل واحد منا نصيبه من المسؤولية في عدم تحقيق ما لم يتحقق؟
أعتقد أن الاعتراف في عدم المساهمة في انجاح ما تم التخطيط له كل من موقعه داخل المنظومة التربوية هو بداية العمل لإعادة تصحيح أخطائنا والانطلاق من جديد لبلوغ الأهداف المنشوذة.
المقالة الأولى:التعليم الأولي: تقدم في التشريع وصعوبات في الانجاز
مدخل:
لقد خصص الفلاسفة منذ القدم وعلماء التربية لاحقا ،حيزا هاما من أبحاثهم لموضوع الطفل والطفولة لما لهما من أهمية في تحديد شخصية الانسان في المراحل اللاحقة من عمره، و راكم الفكر التربوي الكثير من الاجتهادات والنظريات تتضمن جملة من الأفكار العلمية التي تفسر شخصية الطفل منذ ولادته الى اخر مرحلة من طفولته ،كما ان المجتمع الدولي بعد خروجه من الحرب العالمية الثانية وفي سياق رد الاعتبار للانسان الذي دمرته الحروب المتتالية صاغ مجموعة من المبادئ لحماية حقوق الانسان بشكل عام والطفل بشكل خاص وحقه في الرعاية والتربية والتعليم.
فكيف تعامل المغرب مع تربية وتعليم أطفاله ؟ ماذا تحقق وماذا لم يتحقق في هذا المجال ؟
1- لنبدأ بالمرجع القانوني الأول والأسمى في البلاد،حيث خص الفصل 32 من الدستور مكانة للطفل والطفولة والأسرة ومما جاء فيه " التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الدولة والأسرة "
2- على مستوى الميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض:
يتفق جميع المهتمين بالشأن التربوي ان صدور الميثاق الوطني شكل قفزة نوعية على مستوى التشريع. في ما يخص التعليم الأولي ،فقد تضمن المجال الاول من القسم الثاني المتعلق ب" نشر التعليم و ربطه بالمحيط"من خلال الدعامة الأولى الفقرة رقم 24 ،مايلي :" تعميم التسجيل بالسنة الأولى من التعليم الأولي في أفق 2004". وفي المجال الثاني الخاص بالتنظيم البيداغوجي من نفس القسم نصت الدعامة الرابعة المتعلقة بإعادة الهيكلة وتنظيم أطوار التربية والتكوين على ان"دمج التعليم الأولي والتعليم الابتدائي لتشكيل سيرورة تربوية منسجمة تسمى ' الابتدائي'مدتها تمان سنوات" .أما الهدف الرئيسي من كل هذا فهو " ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الاطفال المغاربة منذ سن مبكرة للنجاح".
هذا أبرز ما جاء به الميثاق الوطني في هذا المجال،ولتحقيق تعميم التعليم الأولي وادماجه في السلك الابتدائي تم اصدار الكتاب الابيض سنة 2002 لتنفيذ كل المقتضيات ، وهو ما نجده فيما يخص هذا النوع من التعليم في الجزء الثاني المتعلق بالمناهج التربوية في التعليم الابتدائي.كما تم تحفيز القطاع الخاص بإصدار قانون 5/2000 بشأن النظام الأساسي للتعليم الاولي من أجل اشراك الخواص في هذا المشروع الوطني الكبير.
بعد كل هذا، يحق لنا أن نتساءل : هل تحقق ما رسمته هذه الوثيقة التربوية التاريخية من أهداف خلال العشرية الأولى من القرن 21 كما حدد وأريد لها ؟
لقد كان الطموح كبيرا والامل معقودا على انجاح هذا المخطط التربوي في أفق 2010 ،ولكن الواقع نطق بأشياء اخرى وبقيت دعامات التعليم الأولي مؤجلة حتى اشعار اخر. هذا ما تضمنه تقرير المجلس الاعلى للتعليم،انذاك لسنة 2008 من خلال تحليله الشامل لحالة المنظومة التربوية ومنها وضعية التعليم الأولي. ويمكن الوقوف على أرقام وزارة التربية الوطنية لموسم 2009/2010 كما يلي : 673,759 من الأطفال تم استيعابهم في مختلف مؤسسات التعليم الأولي من اصل 1,2 مليون طفل بقيت خارج الاسوار
هذه هي حصيلة 8 سنوات من العمل اذا اعتبرنا سنة 2001/2002 هي بداية اجرأة مقتضيات الميثاق الوطني.لكن من الناحية العددية فقط .اما التساؤل،عن ماذا استفاد الاطفال اللذين تمكنوا من الحصول على مقعد في احدى اقسام التعليم الاولى ومدى اعدادهم نفسيا وتربويا و اكتسابهم لمختلف المهارات المستهدفة خلال هذه المرحلة العمرية الحاسمة من حياة الطفل ( 3 أو4 _ 6 سنوات) التي تؤهلهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي بكل سلاسة ومتابعة دراستهم بدون صعوبات،فان ذلك يتطلب جوابا وتحليلا يمكن ارجاؤه الى مقال اخر ان شاء الله،بعد ان ننتهي من تتبع الخطوات الأصلاحية فيما تبقى من مشاريع كما حددناها في المدخل .
3- البرنامج الاستعجالي (2009_ 2012.)
ان السؤال الذي طرحه الخبراء والمهتمون أثناء وبعد صدور هذا البرنامج هو : لماذا هذا المشروع ؟ وما الجديد الذي سيقدمه للمنظومة التربوية مع وجود ميثاق متكامل لم يمض على وجوده الا تسع سنوات؟ فكان جواب المسؤولين آنذاك ،ولازالت كلماتهم راسخة في الأذهان.لقد قيل و بالحرف: " ان هذا البرنامج هو اصلاح للاصلاح " وانه جاء" لتدارك ما فات والتعجيل بالإصلاح والتسريع من وثيرة الانجاز" هكذا تم تفسير دواعي اقرار مشروع طارئ وضع له سقف زمني محدد في تلات سنوات (2009-2012)
فماهو موقع التعليم الأولي في هذا البرنامج الاستعجالي؟ وماذا تحقق منه وهل تدخله المستعجل أدى فعلا الى اعطاء نفس جديد لمواد الميثاق التي لم تجد طريقها الى التفعيل؟
نقرأ في المجال الأول:" التحقيق الفعلي للالزامية التعليم الى غاية 15سنة" وبالتحديد المشروع E1P1 المتعلق بتطوير التعليم الأولي.لقد أكد فيما يشبه نقدا للمشرفين على تطبيق دعامات الميثاق ومما ورد فيه " العرض التربوي في التعليم الأولي لفائدة الأطفال يكاد ينحصر في قطاع التعليم الخاص( الكتاتيب القرآنية والمؤسسات العصرية ) ويظل هذا العرض محدودا ويتوزع بصورة غير متوازنة كما ونوعا على مجموع التراب الوطني " انه الاعتراف بفشل رهان تعميم التعليم الأولي على جميع الاطفال الذين هم في سن 4 - 6 سنوات وادماجهم في السلك الاول من التعليم الإبتدائي. فماذا يقترح البرنامج الاستعجالي للنهوض بالتعليم ما قبل مدرسي ؟ جاء في نفس المشروع ما يلي " فتح 3600 قسم للتعليم الأولي العمومي واستيعاب أكثر من مليون طفل بحلول عام 2012.. ....تعزيز التأطير بتعبئة 250 مفتشاا اضافيا ...وانجاز 390,000 يوم تكويني لفائدة ما يفوق 3600 مربية "
هذا هو رهان البرنامج الاستعجالي فيما يتعلق بالتعليم الأولي .هل تم انجاز ما تم تسطيره في هذا المشروع ؟ بدون ان نقرأ وبالارقام حصيلة 2012/2013 او ما جاء في تقرير المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في صيغته الجديدة لسنة 2015 ،سنقفز مباشرة إلى موسم 2017 /2018 حيث ان نسبة %49،6 فقط من الاطفال في سن 4_6 سنوات هي التي تمكنت من الالتحاق بمختلف اقسام التعليم الاولى،موزعة كما يلي : %63 في التعليم التقليدي ،%24 في التعليم العصري و%13 فقط في التعليم الأولي العمومي.
هذه هي الحصيلة التي سيرتها قانون الإطار 51/17 وعلى أساسها سيحدد الأهداف التي يجب بلوغها في مجال التعليم الأولي في أفق 2030
كيف يمكن ذلك وماهي الخطة التي يقترحها هذا القانون لتطوير التعليم الأولي وتعميمه؟ هل سينجح قانون الإطار في تحقيق ما عجزت مشاريع الاصلاح السابقة عن تحقيقه؟
هذا ما سنتطرق اليه في الجزء الثاني من هذه المقالة الأولى الخاصة بالتعليم الأولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق